عفة اللسان (1)
إن من مقاصد رسالة الإسلام تهذيب الأخلاق، وتزكية النفوس، وتنقية المشاعر، ونشر المحبة والألفة وروح التعاون والإخاء بين المسلمين..
قال النبي: {إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق} [رواه أحمد والطبراني] وهناك آفة عظيمة انتشرت بين جميع فئات المجتمع على اختلاف مراحلهم العمرية وطبقاتهم الثقافية.. آفة عظيمة نشأ عليها الصغير، ودرج عليها الكبير، وتساهل بها كثير من الآباء والأبناء، الرجال والنساء، الشباب والفتيات.. آفة عظيمة تولدت منها الأحقاد، وثارت الضغائن، وهاجت بسبها رياح العداوة والبغضاء. آفة عظيمة تغضب الرب جل وعلا، وتخرج العبد من ديوان الصالحين، وتدخله في زمرة العصاة الفاسقين.. إنها السب واللعن والفحش وبذاءة اللسان.. فتجد الوالد يسب أبناءه ويلعنهم، والأم كذلك تفعل مثله، ولا يدريان أن ذلك من كبائر الذنوب وعظائم الآثام. وتجد الصديق يسب ويلعن صديقه، فيرد عليه بسب أمه وأبيه. حتى الطفل الصغير تجده قد تعود كيل السباب واللعائن للآخرين، وربما فعل ذلك بأبيه وأمه وهما ينظران إليه فرحين مسرورين.. إن الواجب على كل عاقل أن يضبط لسانه دائماً، ولا يعوده السب واللعن، حتى مع ولده الصغير، بل ومع أي شيء من جماد أو حيوان، فإنه لا يأمن إذا سب أحداً من الناس أو لعنه أن يقابله بمثل قوله، أو يزيد عليه فيثور غضبه ويطغى، ويقوده إلى ما لا تُحمد عقباه، وكم من جريمة وقعت كانت بدايتها لعناً وسباباً، ومعظم النار من مستصغر الشرر.
آفة السب
يقول النبي: {سباب المسلم فسوق وقتاله كفر} [متفق عليه]
قال النووي رحمه الله: (السب في اللغة: الشتم والتكلم في عِرض الإنسان بما يعيبه. والفسق في اللغة: الخروج، والمراد به في الشرع: الخروج عن الطاعة.. فسب المسلم بغير حق حرام بإجماع الأمة، وفاعله فاسق كما أخبر به النبي ) [شرح صحيح مسلم:2/241].
فهل تصور أولئك الذين يطلقون ألسنتهم سباً وشتماً وانتهاكاً لأعراض المسلمين أنهم يكونون بذلك فساقاً خارجين عن طاعة الله ورسوله ؟! ألا فليتق الله أناس تركوا العنان لألسنتهم حتى أوردتهم موارد التهلكة ومرتع الحسرات،
قال النبي: {سباب المسلم كالمشرف على الهلكة} [رواه البراز وحسنه الألباني]
تحذير للبادئ بالسباب:
إن البادىء بالسباب هو الذي يتحمل الإثم وحده، إذا عفا عنه المسبوب، أو انتصر بقدر مظلمته، ولم يتجاوز ذلك إلى ما ظلم وتعد، قال النبي: {المستبان ما قالا، فعلى البادىء منهما، ما لم يعتد المظلوم} [رواه مسلم]
وللإمام النووي رحمه الله فوائد حول هذا الحديث حيث قال:
1- معناه أن إثم السباب الواقع من اثنين مختص بالبادىء منهما كله، إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار، فيقول للبادىء أكثر مما قال له.
2- وفي هذا جواز الانتصار، ولا خلاف في جوازه، وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة. قال الله تعالى: ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل [الشورى:41].
وقال تعالى: والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون [الشورى:39].
3- ومع هذا فالصبر والعفو أفضل، قال الله تعالى: ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور [الشورى:43]. وللحديث المذكور بعد هذا: {وما زاد الله عبداً بعفواً إلا عزى}.
4- واعلم أن سباب المسلم بغير حق حرام، كما قال: {سباب المسلم فسوق}
5- ولا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ما سبه، ما لم يكن كذباً، أو قذفاً، أو سباً لأسلافه، فمن صور المباح أن ينتصر بـ (يا ظالم) (يا أحمق) أو (يا جافي) أو نحو ذلك، لأنه لا يكاد أحد ينفك من هذه الأوصاف.
6- قالوا: وإذا انتصر المسبوب استوفى ظلامته، وبرئ الأول من حقه، وبقي عليه إثم الابتداء، أو الإثم المستحق لله تعالى ) ا. هـ. [شرح صحيح البخاري].
وإذا تعدى المسبوب وتجاوز الحد وقع الإثم عليهما، فعن عياض بن حمار قال: قلت: يانبي الله! الرجل يشتمني وهو دوني، أعليّ من بأس أن أنتصر منه؟ قال: {المستبان شيطانان يتهاتران، ويتكاذبان} رواه ابن حبان وصححه الألباني
من أكبر الكبائر:
واحذر أخي من أن تكون سبباً في سب والديك فتكون كمن سبهما، فقد قال النبي : { إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه } قيل يارسول الله ! وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: { يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه } [رواه البخاري]. ومن المؤسف أنه قد انتشر ذلك بين أبناء المسلمين وطلابهم، وهذا - والله - دليل على انحطاط في التربية، وتفريط من أولياء الأمور الذين لا ينشئون أبناءهم على الفضيلة والأخلاق الحسنة والخصال الجميلة. وهذا الوعيد فيمن كان سبباً في سب أبيه وأمه دون أن يسبهما بنفسه، فكيف حال من يقوم بسبهما بنفسه، فيسب والديه ويلعنهما، وهناك من يضربهما ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق